1827Views
ألغوا النرجسي
ألغوا النرجسي
في السنوات الأخيرة، شهدنا تدفقًا هائلًا من المعلومات التي تشجع الناس على الهروب من الأشخاص النرجسيين، وبينما يدّعي هذا التوجه الي تعزيز الشفاء والنمو الشخصي، فإنه يحمل في طياته عواقب خطيرة، خاصة عند تحليله من منظور الكتاب المقدس والمبادئ النفسية السليمة
صفتي طبيبًا نفسيًا واباً مسيحيًا، أود أن أتناول ستة مخاوف أساسية بشأن هذه الحركة وأقدّم ردًا كتابيًا على كل منها.
١. التشخيص غير المؤهل يؤدي إلى الإدانة الخاطئة المشكلة الأساسية في هذه الحركة هي أنها تتيح للناس تشخيص الآخرين بأنهم “نرجسيون” دون امتلاك التدريب أو البصيرة اللازمة للقيام بذلك. يؤدي هذا إلى إصدار أحكام خاطئة، وهو أمر غير كتابي ومُضر للغاية.
حذرنا السيد المسيح له المجد من الإدانة في إنجيل مِعلمنا متي قائلا: “لا ندينوا لكيلا تدانوا”… “يا مُرائي، أَخرِجْ أوّلا الخَشَبَةَ مِنْ عَينِكَ، وحينَئذٍ تُبصِر جَيدَا أن تخرِجَ القذى مِن عَينِ أخيك!” (مت ١ :٧و٥)
يدعونا اللّٰه إلى التواضع وفحص الذات، وليس إلى تصنيف الآخرين بتهور بناءً على فهم محدود.
٢.عقلية الضحية تحرف المسؤولية وتقلل فرص إصلاح العلاقات إحدى الجاذبيات الرئيسية لهذه الحركة هي أنها تمنح الناس الفرصة لتحديد أنفسهم كضحايا ل “نرجسية” الآخرين. فبينما يجب الاعتراف بالإساءات والصدمات الحقيقية والتعامل معها، فإن تصنيف النفس كضحية قد يكون فخًا نفسيًا وروحيًا، حيث يُعزز الشفقة على الذات وإلقاء اللوم على الغير بدلا من التركيز على التأمل الذاتي، مما يقلل من فرص استعادة العلاقات.
يدعونا الكتاب المقدس إلى تحمل مسؤولية حياتنا والاستجابة للتحديات بمعونة
اللّٰه، فيقول:
“لأن كل واحد سيحمل حمل نفسه” (غلاطية ٥ :٦)
إن التعريف الدائم بالذات كضحية يمكن أن يعيق النمو الشخصي والنضج الروحي. بدلاً من تبني عقلية الضحية،
نحن مدعوون للجوء إلى السيد المسيح، الذي يقوينا لنواجه التحديات:
“أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني” (فيلبي ١٣ :٤)
٣. الاستياء يمنع الغفران ويعزز الكراهية
غالبًا ما تترك السرديات المنتشرة في هذه الحركة الأفراد بمشاعر سلبية غير محلولة مثل الغضب والكراهية والاستياء. إذا تركت هذه المشاعر دون معالجة، فقد تسمّم القلب وتمنع الشفاء.
يشدد الكتاب المقدس على أهمية الغفران فيقول:
“ليُرفَعْ مِنْ بَينكُمْ كُلِّ مَرَارَةٍ وسَخَطٍ وغَضَبٍ وصياحٍ وتَجديفٍ مع كُلِّ خُبِثٍ. وكونوا لُطِفاءَ بَعضُكُمْ نَحْوَ بَعضٍ، شَفوقِيَنَ، مُتَسأْمِحينَ كمَا سامَحَكُمُ اللهُ أيضاً في المسيحِ” (إف ٣٢ – ٣١ :٤)
ان التمسك بالاستياء لا يؤدي إلا إلى إطالة المعاناة الشخصية وإبعادنا عن سلام اللّه.
٤. الاستسلام وفقدان الامل في العلاقات غير كتابي
شجع هذه الحركة الناس على إنهاء العلاقات التي تبدو صعبة أو مرهقة.
وبينما قد يكون التباعد ضروريًا في بعض الحالات (مثل حالات الإساءة الحقيقية)، إلا أن العديد من العلاقات تستحق الجهد عن طريق التأمل الذاتي المتبادل، والتوبة، الذي يؤدي الي إصلاح متبادل من خلال السيد المسيح له المجد وتعاليمه المقدسه.
يدعونا الكتاب المقدس إلى المثابرة في العلاقات والسعي إلى المصالحة متى أمكن ذلك، فيقول:
كان ممكنًا، فحسب طاقتكم، سالموا جميع الناس” (رو ١٨ :١٢)
وفي إنجيل معلمنا متي، يعلمنا السيد المسيح له المجد أن المصالحة أولوية، حاثا المؤمنين على حل النزاعات قبل تقديم العبادة لله فيقول: “فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك، فاترك قربانك هناك قدام المذبح واذهب أولًا اصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدم قربانك.” (متي ٢٣-٢٤ :٥)
٥. هدم الروابط يخالف تصميم اللّٰه للوحدانية
سواء في مجال الصداقات أو الزواج أو العائلات، فإن العلاقات مقدسة ويجب أن تعكس محبة اللّٰه ووحدته. إن إنهاء العلاقات لاعتبار الآخرين “شخصيات سامه” أو “نرجسيين” ي تغاضي عن هذا التصميم الإلهي.
إن اللّٰه يقدر العلاقات الإنسانية ويريد الوحدانية بين شعبه. يوضح الكتاب المقدس خطورة كسر الروابط العهدية، لا سيما في الزواج، قائلاً: “لأنه يكره الطلاق قال الرب إله اسرائيل.” (ملاخي ١٦ :٢)
بينما قد تحتاج بعض العلاقات إلى حدود صحية، فإن قلب اللّٰه يميل نحو الوحدانية وليس الانقسام.
“ولكن الكل من اللّٰه الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح، وأعطانا خدمة المصالحة” (٢ كو ١٨ :٥)
٦. العدوانية السلبية وتدمير العلاقات تصرفات غير إلهية غالبًا ما تشجع تعاليم هذه الحركة على السلوك العدواني السلبي، مثل التجاهل المتعمد، والبرود العاطفي، أو الانتقام غير المباشر، مما يؤدي إلى تصعيد الصراعات بدلاً من حلها. هذا النهج يتناقض مع الدعوة الكتابية لمواجهة القضايا بالمحبة والحق.
يدعونا الرب يسوع له المجد إلى التعامل مع الخلافات مباشرة وبمحبة ويوضح عملية واضحة لحل النزاعات:
“وإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت أخاك” (متي ١٥ :١٨)
هذا النهج ي قود الي الفهم المتبادل، والتوبة، والمصالحة بدلاً من الانقسامات.
في النهاية، أدعو الي الحذر من اتباع هذا التوجه دون تروي، فبينما قد يكون مقصوداً به الخير، من الواضح أن الشيطان يستخدمه لهدم العائلات والعلاقات المسيحية.
ولو أن وضع الحدود الصحية والتعامل مع السلوكيات المؤذية أمر مهم، يجب أن نكون يقظين ضد الأيديولوجيات التي تعزز الانقسام، والإدانة، وعدم الغفران.
يدعونا السيد المسيح له المجد إلى التعامل مع العلاقات بحكمة، وتواضع، ومحبة. من خلال ترسيخ تصرفاتنا ومواقفنا على أساس تعاليمه المقدسة في الكتاب المقدس.
بمكننا التعامل مع العلاقات الصعبة بطريقة تكرم اللّٰه وتعزز الشفاء لأنفسنا وللأخرين.
إن الاتجاه السائد للهروب من “النرجسيين”، رغم أنه يبدو حسن النية في بعض الجوانب، يتعارض في النهاية مع تعاليم الكتاب المقدس حول العلاقات والمغفرة. كمسيحيين، نحن مدعوون للارتقاء فوق الاتجاهات الثقافية واتباع طريق اللّه، الذي يؤكد على المحبة، والمصالحة، والنعمة. فلنقاوم إغراء الحكم على الآخرين أو تصنيفهم، ولنتعهد بالسلوك في جميع علاقاتنا حسب محبة السيد المسيح، الذي له كل المجد والكرامه من الان والي الأبد. آمين.
القس لوقا اسطفانوس